الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
(3) تَرْكُ تَسْمِيَتِهِ بِمَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصْفِهِ بِمَا وَصَفَهَا بِهِ، وَمِثْلُهُ إِسْنَادُ مَا أَسْنَدَهُ تَعَالَى إِلَى نَفْسِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ- بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِهِ تَعَالَى، أَوْ أَنَّهُ يُوهِمُ نَقْصًا فِي حَقِّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُلْحِدِينَ أَعْلَمُ مِنْهُ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ وَجَلَّتْ صِفَاتُهُ، وَأَعْلَمُ مِنْ رَسُولِهِ صَلَوَاتُهُ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ، وَمَا لَا يَلِيقُ، وَبِمَا يُوهِمُ نَقْصَ التَّشْبِيهِ أَوْ غَيْرَ التَّشْبِيهِ، كَامْتِنَاعِ بَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ مِنْ ذِكْرَ بَعْضِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فِي صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى الَّتِي زَعَمُوا وُجُوبَ تَأْوِيلِهَا فِي عَقَائِدِهِمْ وَدُرُوسِهِمْ، وَعَدَمَ ذِكْرِهَا فِي مَجَالِسِهِمْ إِلَّا مَقْرُونَةً بِالتَّأْوِيلِ وَادِّعَاءِ أَنَّ مَعْنَاهَا غَيْرُ مُرَادٍ، وَقَدْ غَلَا بَعْضُ الْأَشْعَرِيَّةِ فِي الْقُرُونِ الْوُسْطَى فِي التَّأْوِيلِ غُلُوَّ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ أَوْ أَشَدَّ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَوُا السَّلَاطِينَ بِسَجْنِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ لِذِكْرِ هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فِي كُتُبِهِ وَدُرُوسِهِ كَصِفَةِ عُلُوِّ اللهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ، وَمِنْهَا اسْمُ الْعَلِيِّ وَالْمُتَعَالِ، وَمِنْهَا آيَاتُ الِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ، وَأَحَادِيثُ النُّزُولِ مِنَ السَّمَاءِ، وَانْتَهَى بِهِمُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ يَطْلُبُوا مِنْهُ التَّوْبَةَ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ لِلْعَامَّةِ، وَأَنْ يَتَعَهَّدَ بِذَلِكَ كِتَابَةً، وَهَذَا مِنْ أَعَاجِيبِ تَعَصُّبِ الْمَذَاهِبِ، وَالْغُرُورِ فِي تَحْكِيمِ الْعَقْلِ: أَيِ الْآرَاءِ النَّظَرِيَّةِ فِي النُّصُوصِ، وَإِنَّ ادِّعَاءَ أَنَّ بَعْضَ كَلَامِ اللهِ وَحَدِيثِ رَسُولِهِ مِمَّا يَجِبُ كِتْمَانُهُ وَاسْتِبْدَالُ نَظَرِيَّاتِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَمْثَالِهِمْ بِهِ لَمَطْعَنٌ كَبِيرٌ فِي الدِّينِ، وَفِي سَلَفِ الْأُمَّةِ الصَّالِحَةِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْإِلْحَادِ هُوَ غَيْرُ التَّأْوِيلِ لِلْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَهُوَ الْقِسْمُ الْآتِي مِنَ الْإِلْحَادِ فِيهَا.(4) تَحْرِيفُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ تَعَالَى عَمَّا وُضِعَتْ لَهُ بِضُرُوبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ تَقْتَضِي التَّشْبِيهَ أَوِ التَّعْطِيلَ، فَالْمُشَبِّهَةُ ذَهَبَتْ إِلَى جَعْلِ الرَّبِّ الْقُدُّوسِ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ كَرَجُلٍ مِنْ خَلْقِهِ، زَاعِمَةً أَنَّهُ وَصَفَ نَفْسَهُ بِصِفَاتٍ يَدُلُّ مَجْمُوعُهَا عَلَى ذَلِكَ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ وَالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالضَّحِكِ وَالرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَالْجَهْمِيَّةُ ذَهَبَتْ إِلَى تَأْوِيلِ جَمِيعِ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى حَتَّى جَعَلَتْهُ كَالْعَدَمِ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (2: 143) هُمُ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ، فِي تَنْزِيهِ اللهِ تَعَالَى عَنْ مُشَابَهَةِ خَلْقِهِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَبَيْنَ وَصْفِهِ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَتَسْمِيَتِهِ بِمَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ، وَإِسْنَادِ مَا أَسْنَدَهُ إِلَى نَفْسِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ، كَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ وَالْعُلُوِّ عَلَى الْخَلْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. أَثْبَتُوا لَهُ كُلَّ ذَلِكَ مَعَ كَمَالِ التَّنْزِيهِ، فَقَالُوا: إِنَّ لَهُ رَحْمَةً لَيْسَتْ كَرَحْمَةِ الْمَخْلُوقِ، وَغَضَبًا لَا يُشْبِهُ غَضَبَ الْمَخْلُوقِ، وَاسْتِوَاءً عَلَى عَرْشِهِ لَيْسَ كَاسْتِوَاءِ الْمُلُوكِ الْمَخْلُوقِينَ عَلَى عُرُوشِهِمْ، وَإِنَّهُ تَعَالَى عَلَّمَنَا بِمَا بَيَّنَ لَنَا مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ كُلَّ مَا أَوْجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَهُ مِنْ عَظَمَتِهِ وَكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ وَجَمَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَلَا يُمْكِنُ بَيَانُ ذَلِكَ لَنَا إِلَّا بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي نَسْتَعْمِلُهَا فِي شُئُونِ أَنْفُسِنَا، وَعَلَّمَنَا مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَعَصَمَنَا بِهَذَا التَّنْزِيهِ. أَنْ يُضِلَّنَا الِاشْتِرَاكُ اللَّفْظِيُّ فَنَقَعُ فِي التَّشْبِيهِ.(5) إِشْرَاكُ غَيْرِهِ فِيمَا هُوَ خَاصٌّ بِهِ مِنْ أَسْمَائِهِ بِاللَّفْظِ كَاسْمِ الْجَلَالَةِ الله وَالرَّحْمَنِ، وَرَبِّ الْعَالَمِينَ- وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْإِضَافَاتِ كَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَوْ رَبِّ الْكَعْبَةِ، أَوْ رَبِّ الْبَيْتِ- إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْكَعْبَةُ قَالَ تَعَالَى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} (106: 3) وَأَمَّا إِذَا أُضِيفَ لَفْظُ رَبٍّ إِلَى بَيْتٍ آخَرَ مِنْ بُيُوتِ النَّاسِ فِي كَلَامٍ بِعَيْنِهِ فَلَا بَأْسَ، كَأَنْ تَقُول وَأَنْتَ فِي بَيْتِ أَحَدِ النَّاسِ، وَقَدْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ الْإِمَامَةُ حَقُّ رَبِّ الْبَيْتِ، أَوْ لِيَؤُمَّنَا رَبُّ الْبَيْتِ. أَوْ تَقُولُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ فِي كُرْسِيِّ صَاحِبِ الْبَيْتِ أَوْ عَلَى الْحَشْيَةِ الْخَاصَّةِ بِهِ: هَذِهِ تَكْرُمَةُ رَبِّ الْبَيْتِ، وَقَدْ نُهِينَا عَنِ الْجُلُوسِ عَلَيْهَا بِدُونِ إِذْنِهِ. وَقَالُوا: إِنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ مَعْرِفَةٌ خَاصَّةٌ بِهِ تَعَالَى. وَيَتَرَجَّحُ هَذَا الْقَوْلُ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تَصْرِفُ اللَّفْظَ إِلَى غَيْرِهِ.وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ لِحَدِيثِ لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِنَ الْفَتْحِ بَحْثَ انْعِقَادِ الْيَمِين بِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَابْنِ حَزْمٍ مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَسْمَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:(أَحَدُهَا) مَا يَخْتَصُّ بِاللهِ تَعَالَى، كَاسْمِ الْجَلَالَةِ وَالرَّحْمَنِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ فَهَذَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهِ إِذَا أُطْلِقَ، وَلَوْ نَوَى بِهِ غَيْرَهُ.(ثَانِيهَا) مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، وَلَكِنَّ الْغَالِبَ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُقَيَّدَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِضَرْبٍ مِنَ التَّقْيِيدِ كَالْجَبَّارِ وَالْحَقِّ وَالرَّبِّ وَنَحْوِهَا، فَالْحَلِفُ بِهِ يَمِينٌ فَإِنْ نَوَى بِهِ غَيْرَ اللهِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ.(ثَالِثُهَا) مَا يُطْلَقُ فِي حَقِّ اللهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. كَالْحَيِّ وَالْمُؤْمِنِ فَإِنْ نَوَى بِهِ غَيْرَ اللهِ أَوْ أَطْلَقَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ نَوَى اللهَ تَعَالَى فَوَجْهَانِ، صَحَّحَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَكَذَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَخَالَفَ فِي الشَّرْحَيْنِ فَصَحَّحَ أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَقَالَ الْمُجِدُّ ابْنُ تَيْمِيَةِ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهَا يَمِينٌ. اهـ.(6) إِشْرَاكُ غَيْرِهِ تَعَالَى فِي مَعَانِي أَسْمَائِهِ الْخَاصَّةِ مَعَ تَغْيِيرِ اللَّفْظِ، كَإِطْلَاقِ لَفْظِ الْوَسِيلَةِ عَلَى بَعْضِ الصَّالِحِينَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُدْعَى مِنْ دُونِ اللهِ أَوْ مَعَ اللهِ سُبْحَانَهُ لِقَضَاءِ الْحَاجَاتِ، وَرَفْعِ الْكُرُبَاتِ، وَكِفَايَةِ الْمُهِمَّاتِ، مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْأَسْبَابِ وَالْعَادَاتِ، كَطَلَبِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْوَاتِ، فَلَفْظُ الْوَسِيلَةِ هُنَا بِمَعْنَى الْإِلَهِ إِذْ مَعْنَاهُ الْمَعْبُودُ، وَالدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ وَأَعْظَمُ أَرْكَانِهَا كَمَا بَيَّنَّا مِرَارًا، أَوِ الرَّبِّ الْمُدَبِّرِ لِلْأَمْرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ- فَهَذَا إِلْحَادٌ فِي مَعَانِي أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى لَا فِي أَلْفَاظِهَا.(7) إِشْرَاكُ غَيْرِهِ فِي كَمَالِ أَسْمَائِهِ التَّامِّ الَّذِي وُصِفَتْ لِأَجْلِهِ بِالْحُسْنَى، كَمَنْ يَزْعُمُ أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّ لِغَيْرِهِ تَعَالَى رَحْمَةً كَرَحْمَتِهِ وَرَأْفَةً أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي أَسْمَائِهِ كَالْمُجِيبِ مَثَلًا، قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (2: 186) وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ رَسُولِهِ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} (11: 61) وَأَنَّ بَعْضَ الَّذِينَ يَدْعُونَ غَيْرَ اللهِ مِنَ الْمَوْتَى يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ أَقْرَبُ وَأَسْرَعُ فِي إِجَابَتِهِمْ مِنَ اللهِ تَعَالَى، فَيَجْمَعُونَ بِذَلِكَ بَيْنَ الشِّرْكَيْنِ: شِرْكِ دُعَاءِ غَيْرِ اللهِ، مَعَ اعْتِقَادِ إِجَابَتِهِ لِلدُّعَاءِ- وَاللهُ يَقُولُ: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ} (27: 62) أَيْ: لَا يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِلَّا اللهُ. فَهُوَ الْإِلَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ، وَالْكُفْرُ بِهِ بِتَفْضِيلِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ فِي سُرْعَةِ الْإِجَابَةِ، وَقَدْ سَمِعْتُ امْرَأَةً مِصْرِيَّةً تَدْعُو وَتَسْتَغِيثُ فِي أَمْرٍ أَهَمَّهَا: يَا مَتْبُولِيُّ يَا مَتْبُولِيُّ.. فَقُلْتُ لَهَا بَعْدَ أَنْ هَدَأَ رَوْعُهَا: لِمَاذَا تَدْعِينَ الْمَتْبُولِيَّ وَلَا تَدْعِينَ اللهَ تَعَالَى؟ قَالَتْ: الْمَتْبُولِيُّ مَا يستناش- أَيْ لَا يُهْمِلُ، وَلَا يَتَأَخَّرُ فِي إِجَابَةِ مَنْ دَعَاهُ وَاسْتَغَاثَ بِهِ- وَذَكَرَتْ حِكَايَةً مُتَنَاقَلَةً بَيْنَ أَمْثَالِهَا وَهِيَ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَدْ سَرَقَ سَمَكَةَ فَسِيخٍ وَأَكَلَهَا، فَحَلَّفَهُ صَاحِبُهَا يَمِينًا بِالْمَتْبُولِيِّ، فَحَلَفَ بِهِ فَقَيَّأَهُ الْفِسِيخَةَ، وَلِمِثْلِ هَذِهِ الْحِكَايَاتِ يَتَجَرَّأُ أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ عَلَى الْحَلِفِ بِاللهِ تَعَالَى كَذِبًا، وَلَا يَتَجَرَّءُونَ عَلَى الْحَلِفِ بِمُعْتَقِدِيهِمْ، وَهَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ تَفْضِيلِهِمْ إِيَّاهُمْ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ مِنْ إِلْحَادِ الشِّرْكِ الصَّرِيحِ، وَيَزْعُمُونَ مَعَهُ أَنَّهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَتَأَوَّلُ لَهُمْ عُلَمَاءُ الْجُمُودُ الْمُضِلِّينَ، وَيَنْبِزُونَ مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ بِلَقَبِ وَهَّابِيِّينَ وَيَمْقُتُونَ هَذَا اللَّقَبَ وَإِنْ صَارَ بِمَعْنَى الْمُوَحِّدِينَ.وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ بَعْدَ الِانْتِهَاءِ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى مَعَ قَوْمِهِ الَّتِي خُتِمَتْ بِهَا قِصَصُ الرُّسُلِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لَنَا فِي بَعْضِ آيَاتٍ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ شُئُونِ الْبَشَرِ الْعَامَّةِ فِي الْإِيمَانِ وَالشِّرْكِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَمَا لِفَسَادِ الْفِطْرَةِ، وَإِهْمَالِ مَوَاهِبِهَا مِنَ الْعَقْلِ وَالْحَوَاسِّ مِنْ سُوءِ الْمَآلِ، وَأَرْشَدَنَا فِي آخِرِهَا إِلَى مَا يُصْلِحُ فَسَادَ الْفِطْرَةِ مِنْ دُعَائِهِ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَإِلَى مَا لِلْإِلْحَادِ فِيهَا مِنْ سُوءِ الْجَزَاءِ فِي الْعُقْبَى، ثُمَّ قَفَّى عَلَى هَذِهِ الْبِضْعِ الْآيَاتِ بِبِضْعِ آيَاتٍ أُخْرَى فِي شَأْنِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بَدَأَهَا بِوَصْفِ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ وَثَنَّى بِذِكْرِ الْمُكَذِّبِينَ مِنْ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ، وَثَلَّثَ بِتَفْنِيدِ مَا عَرَضَ لَهُمْ مِنَ الشُّبْهَةِ، فَالْإِرْشَادُ إِلَى التَّفَكُّرِ الْمُوَصِّلِ إِلَى فِقْهِ الْأُمُورِ، وَمَا فِي حَقَائِقِهَا مِنَ الْعِبْرَةِ، وَإِلَى النَّظَرِ الْهَادِي إِلَى مَأْخَذِ الْبُرْهَانِ وَالْحُجَّةِ، لِمَعْرِفَةِ صِدْقِ الرَّسُولِ، وَمَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْهِدَايَةِ وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، فَالْمَوْعِظَةُ الْحَسَنَةُ الْمُؤَثِّرَةُ فِي النَّفْسِ الْمُسْتَعِدَّةِ بِالتَّذْكِيرِ بِقُرْبِ الْأَجَلِ، وَالِاحْتِيَاطِ لِلِقَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَتَمَهَا بِبَيَانِ عَدَمِ الطَّمَعِ فِي هِدَايَةِ مَنْ قَضَتْ سُنَّةُ اللهِ بِضَلَالِهِ، وَتَرْكِهِ يَعْمَهُ فِي طُغْيَانِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَكِلْتَاهُمَا تَفْصِيلٌ لِإِجْمَالِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} إِلَخْ بَدَأَهُ بِبَيَانِ حَالِ مَنْ أَضَلَّهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ أَهْمَلُوا اسْتِعْمَالَ قُلُوبِهِمْ، وَأَبْصَارِهِمْ وَأَسْمَاعِهِمْ فِي فِقْهِ آيَاتِ اللهِ، وَأَنَّهُمْ كَثِيرُونَ، وَلَكِنَّهُ مَا سَمَّاهُمْ أُمَّةً؛ لِأَنَّهُمْ لَا تَجْمَعُهُمْ فِي الضَّلَالِ جَامِعَةٌ، وَلِأَنَّ الْبَاطِلَ كَثِيرٌ وَسُبُلَهُ مُتَفَرِّقَةٌ، ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا حَالَ مَنْ هَدَاهُمُ اللهُ تَعَالَى، وَهُوَ أَنَّهُمْ أُمَّةٌ، أَيْ جَمَاعَةٌ كَبِيرَةٌ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ شُعُوبٍ وَقَبَائِلَ كَثِيرَةٍ، يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ دُونَ غَيْرِهِ يَعْدِلُونَ، فَسُبُلُهُمْ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ لَا يَتَعَدَّدُ، هَؤُلَاءِ هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (159) فَلْيُرَاجَعْ فَهُوَ قَرِيبٌ، فَهَاتَانِ الْآيَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ لِقُرْبِ الشَّبَهِ بَيْنَ أُمَّةِ مُوسَى وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَقُرْبِ الشَّبَهِ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَيْضًا وَإِنَّمَا قَالَ: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا} إِلَخْ لِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ فِي مُقَابَلَةِ: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا} أَيْ: خَلَقْنَا فَهُنَالِكَ يَقُولُ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ مِنْ صِفَتِهِمْ كَذَا، وَهُنَا يَقُولُ: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أَيْ: لِلْجَنَّةِ أُمَّةٌ صِفَتُهُمْ كَذَا وَكَذَا.أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ} قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هَذِهِ أُمَّتِي، بِالْحَقِّ يَحْكُمُونَ وَيَقْضُونَ، وَيَأْخُذُونَ وَيُعْطُونَ وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ فِيهَا قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ إِذَا قَرَأَهَا: «هَذِهِ لَكَمَ وَقَدْ أَعْطَى الْقَوْمَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ مِثْلَهَا» وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ قَالَ: لَتَفْتَرِقَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً، يَقُولُ اللهُ: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي تَنْجُو مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشِّقَّ الْأَوَّلَ مِنْ هَذَا الْأَثَرِ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه؛ لِيُفَسِّرَ بِهِ الْفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ، وَقَدْ فَسَّرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَسْتَقِيمُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَمَعْنَى التَّفْسِيرَيْنِ وَاحِدٌ فِي مَآلِهِمَا، وَالْمُرَادُ مِنْهُ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ لِدَعْوَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.ثُمَّ ذَكَرَ حَالَ الْمُكَذِّبِينَ مِنْ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ فَقَالَ: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ الِاسْتِدْرَاجُ مَأْخُوذٌ مِنَ الدَّرْجِ مَصْدَرِ دَرَجَ، أَوْ مِنَ الدَّرَجَةِ وَهِيَ الْمِرْقَاةُ، يُقَالُ: دَرَجَ الْكِتَابَ وَالثَّوْبَ وَأَدْرَجَهُ إِذَا طَوَاهُ، وَيُعَبَّرُ بِالدَّرْجِ- وَهُوَ الْمَصْدَرُ- عَنِ الْمُدْرَجِ أَيِ الْمَطْوِيِّ، وَيُقَالُ: دَرَجَ فُلَانٌ بِمَعْنَى مَاتَ، وَهَذِهِ آثَارُ قَوْمٍ دَرَجُوا أَيِ انْقَرَضُوا، جَعَلَهُ الرَّاغِبُ مَجَازًا بِالِاسْتِعَارَةِ، وَلَكِنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ ذَكَرَهُ فِي حَقِيقَةِ الْأَسَاسِ وَقَالَ وَاسْتَدْرَجَهُ: رَقَّاهُ مِنْ دَرَجَةٍ إِلَى دَرَجَةٍ، وَقِيلَ: اسْتَدْعَى هَلَكَتَهُ مِنْ دَرَجَ إِذَا مَاتَ. وَقَالَ الرَّاغِبُ فِي {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ} مِنَ الْآيَةِ: قِيلَ مَعْنَاهُ سَنَطْوِيهِمْ طَيَّ الْكِتَابِ، عِبَارَةً عَنْ إِغْفَالِهِمْ نَحْوَ: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} (18: 28) وَقِيلَ مَعْنَاهُ: سَنَأْخُذُهُمْ دَرَجَةً بَعْدَ دَرَجَةٍ، وَذَلِكَ إِدْنَاؤُهُمْ مِنَ الشَّيْءِ شَيْئًا فَشَيْئًا كَالْمَرَاقِي وَالْمَنَازِلِ فِي ارْتِقَائِهَا وَنُزُولِهَا اهـ.أَقُولُ: وَالْمُرَادُ عَلَى هَذَا أَنَّهُمْ يَسْتَرْسِلُونَ فِي غَيِّهِمْ وَضَلَالِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرُونَ شَيْئًا مِنْ عَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ؛ لِجَهْلِهِمْ سُنَنَ اللهِ تَعَالَى فِي الْمُنَازَعَةِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْمُصَارَعَةِ بَيْنَ الضَّارِّ وَالنَّافِعِ، وَكَوْنِ الْحَقِّ يَدْمَغُ الْبَاطِلَ، وَمَا يَنْفَعُ النَّاسَ يَصْرَعُ مَا يَضُرُّهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} (21: 18) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (13: 17) وَأَمَّا الْمَعْنَى عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَهُوَ إِنْذَارُهُمْ بِهَذِهِ الْعَاقِبَةِ، وَهُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى سَيَأْخُذُهُمْ بِالْعِقَابِ وَيَنْصُرُ رَسُولَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ بِالتَّدْرِيجِ وَكَذَلِكَ كَانَ.وَالْجَمْعُ بَيْنَ مَعْنَيَيْ الِاسْتِدْرَاجِ جَائِزٌ هُنَا لِظُهُورِهِ فِيمَنْ نَزَلَ فِيهِمْ أَوَّلًا، وَبِالذَّاتِ وَهُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ الْجَاحِدُونَ وَالْمُبَالِغُونَ فِي عَدَاوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ كَانُوا مُغْتَرِّينَ بِكَثْرَتِهِمْ وَثَرْوَتِهِمْ لَا يَعْتَدُّونَ بِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ أَوَّلًا، وَأَكْثَرُهُمْ مِنَ الضُّعَفَاءِ الْفُقَرَاءِ فَمَا زَالُوا يَتَدَرَّجُونَ فِي عَدَاوَتِهِمْ لَهُ وَقِتَالِهِمْ إِيَّاهُ حَتَّى أَظْهَرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ فَلَمْ يَعْتَبِرُوا، ثُمَّ زَادَهُمْ غُرُورًا ظُهُورُهُمْ فِي آخِرِ مَعْرَكَةِ أُحُدٍ وَقَالَ قَائِدُهُمْ أَبُو سُفْيَانَ «يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ»- إِلَى أَنْ كَانَ الْفَتْحُ الْأَعْظَمُ، فَهَذَا كُلُّهُ اسْتِدْرَاجٌ بِمَعْنَى التَّنَقُّلِ فِي مَدَارِجِ الْغُرُورِ، وَبِمَعْنَى أَخْذِ اللهِ إِيَّاهُمْ، وَإِظْهَارِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنِ اتَّبَعَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ سُنَنَهُ تَعَالَى فِي هَذَا وَلَا ذَاكَ.
|